حوار: سعد أحمد ضيف الله
تعتبر الأديبة السودانية بثينة خضر مكي، أحد رموز التنوير في السودان، ساهمت بكتاباتها العديدة وحضورها المتوازن في تنوير المرأة والمجتمع في السودان، وفي إثراء المكتبة العربية بالعديد من الروايات والمجاميع القصصية، فضلاً عن النصوص الأدبية وكتاباتها النقدية والمقالات الصحفية، وحضورها المؤثر في المشهد الثقافي العربي، سواء في مؤتمرات أو ندوات أو مهرجانات أدبية، أو عبر مركز بثينة الثقافي للإبداع والتنوير والفنون، الذي أسسته عام 2008م.
ترجمت أعمالها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وأسست دار سدرة للنشر والتوزيع، وشاركت في عدة معارض خارجية، وحازت على وسام العلم والآداب والفنون من رئاسة الجمهورية، وفازت بجائزة الشهيد الزبير للإبداع والتميز العلمي في مجال آداب اللغة العربية، وعضوية في اتحادات عربية متعددة، كما تواصل إثراء المدونة الأدبية العربية بكتابات إبداعية مضيئة ومؤثرة.
*نود أن نبدأ الحديث معكِ من البدايات وكيف قطعتيها في ميدان الرواية والمواجهة الاجتماعية، حيث نعرف أن في بداياتك الكتابية كتبتِ باسم مستعار، والقصة والرواية بحاجة إلى أشياء كثيرة متجردة، وكثير من الأقلام العربية -قبل جيلين أو ثلاثة- كانت محافظة بعض الشيء ولا تتفق مع هذا السرد؟- لا شك أنه كان هناك معوقات في ميدان الكتابة السردية والمواجهة الاجتماعية للمرأة على وجه التحديد، ففي هذا الصدد كنت أستعيض بالاسم المستعار في كتاباتي، غير أنني لم أكن أخشى من شعور «الخوف الخفي» من الفشل أو ما يسمى «تردد البدايات»، بل كان لدي طرح هادف ورسالة تنويرية تجاه المرأة وهمومها والمجتمع ومتطلباته، وسرت في هذا الاتجاه وتغلبتُ على كل الظروف إلى أن تمكنت من الكتابة بالاسم صراحةً في المقالات الصحفية والقصصية.*هل لازلتِ تدافعين عن قضايا وهموم المرأة بنفس الحماس السابق؟ أم تتوقعين أن المرأة في وقتنا المعاصر قد نالت جميع حقوقها، بخلاف المرأة قبل ثلاثة عقود؟
- بالطبع هناك تحسن كبير في أحوال المرأة وتفهم من قبل الرجل وسلطته، إضافة للكُتّاب المتنورين كان لهم دور بارز في ارشاد المرأة، ولاحظت ذلك في المؤتمرات والندوات والمهرجانات الأدبية التي تشاركنا بها، كما أن التعليم له مساهمة أكبر في توعية المرأة ومحافظتها على كيانها ككائن بشري مستقل بفكره له حقوق وعليه مسؤوليات وليس هو تابع فحسب، وساهم التعليم في توعية الرجل كذلك.
* تزوجتِ في سن مبكرة، في سن الـ 15 سنة.. هل أنتِ متوافقة مع هذا التوجه؟
- في ذلك الزمان كانت التقاليد والنظرة السائدة متوافقة مع هذا التوجه، لكن في هذا الزمن الأمر مختلف، فلدي ابنة بروفيسورة في الجامعة، وأخرى مستشارة قانونية، ولا أظن أن سيكون هذا التوجه مناسباً حالياً.
- نعم ثمة تحول كبير جداً حصل في حياة المرأة المعاصرة، منها النضال لتطور المرأة، وكذلك التعليم، وهذا ما رفع من مستوى وعيها. كما أن للفكر الغربي دور لا بأس به في استنهاض المرأة العربية، دون شك، إنما نحن لنا هويتنا الخاصة، دورنا هنا أن نأخذ الإيجابي ونترك غير ذلك، هناك تحول صحيح لهذا أنا سعيدة بما وصلت إليه المرأة، حيث أن التطور والاحتكاك بين الثقافات ولّد تراكماً فكرياً لدينا. والمرأة العربية المعاصرة هي المرأة الواثقة بنفسها، والمرأة السودانية على وجه الخصوص من أوائل النساء العربيات اللاتي دخلن البرلمان والسلك القضائي، غير أن هموم المرأة تختلف من بقعة إلى بقعة أخرى على وجه الأرض، لذا فإن المرأة في السودان همومها بعض الشيء مختلفة، كانت تحتاج إلى وقفات، إلا أنها قد تتشارك بها مع بعض الدول العربية، كالزواج المبكر، والختان، والتعليم، والهجرة، والاستقلالية التامة، إنما غالبية ذلك تمت دراسته والخروج بأفكار حوله.
* بصفتك امرأة، وأم، وجدة، ولديك ابنة بروفيسورة في الجامعة، وأخرى مستشارة قانونية.. وأسستِ رابطة للأديبات في السودان والإمارات، والكثير حول المرأة، هل تشعرين فعلاً أنك ساهمتِ في تنوير المرأة بحكم هذا الاهتمام؟
- يتملكني شيء من هذا الشعور، بخلاف أنني أم وجدة، هناك مهنة التعليم، فهي في حد ذاتها كانت مستوى مهماً للتفاعل المباشر مع الفتيات، بالأخص طالبات الثانوي، هذا السن التعامل معه جميل وممتع، إذا تقربنا منهن وتفهمنا متطلباتهن والنزول لمستواهن نستطيع بعد ذلك أن نأخذ ونعطي معهن، أما التعالي على النشء الجديد لن يجدي نفعاً مهما حرصنا على توصيل رسالة لهم، فلابد من توطئة الرأس لسماع ماذا يقولون ومشاركتهم الاهتمامات. لذا نعم، أشعر أنني أفهم هذا الجيل، ومن السهل التعامل معه بخبرات متراكمة، وشاهدت باعتزاز كثيراً ممن ساهمتُ في التأثير بهن، وكذلك بناتي، فأنا جدة لأحفادي لكن «جدات اليوم غير عن جدات زمان»، هذه الجدة لديها كتب تتجاوز الخمسة عشر كتاباً، وترجمت أعمالي إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ولدي دار نشر وتوزيع، وحزت بلا فخر على أعلى الأوسمة والجوائز، وكثيراً ما يطلب مني الانتساب للعضوية في اتحادات عربية متعددة.
* تقولين إن المرأة كانت مقموعة، بينما في كتاباتكِ نجد أن المرأة كانت متمردة وقوية.. مثلا في رواية أغنية النار.. وصهيل النهر.. كشخصية «رجاء» هي مغرورة وقوية ومعتدة بنفسها.. بعكس المرأة في كتابات الطيب صالح فهي دائماً مظلومة، خافتة، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها؟
- السواد الأعظم من النساء ضعيفات ليس لهن قرار ينفردن به حتى في مصير حياتهن، المرأة تتجه أينما يوجهونها، وراضخة لقرارات الـ غير.. بينما في كتاباتي هي امرأة قوية لا أقول مغرورة بل كما ذكرت امرأة معتدة بنفسها، لديها القدرة على صنع القرار والاستغناء بذاتها إذا رأت هي ذلك..
*.. لكنك في رواية «صهيل النهر» جعلتي (فاطمة السمحة) الشعبية، التراثية، الضعيفة، جعلت فيها سماحة. و(رجاء) المرأة القوية المتناقضة بقوة شخصيتها جعلتها عقيمة لا تنجب!
- فاطمة عاشت في بداية حياتها في بيئة غنية بالتراث الشعبي وبالتاريخ وتشبعتِ بحلوه ومره، لها إيجابيات وعليها سلبيات، حتى رجاء فيها من قوة الشخصية انتصارات، فقد انتصرت على الشخصية الأسطورية، أيضاً لهذه الشخصية إيجابيات وعليها سلبيات، يبقى من ذلك عدم الممانعة بالسماحة بالتوازي مع قوة الشخصية.
* الحكاوي والسمر، (ولد النمير) (فاطمة السمحة)، استعنتِ بالموروث الشعبي السوداني في كتاباتك، هل تظنين أنه خدم قضيتك تجاه تنوير المجتمع والمرأة على وجه الخصوص؟
- بلا مندوحة لا زالت هذه الكتابات تحكى لهذا الجيل، وهي تخدم العمل إذا تم توظيفها بشكل جيد دون إسفاف أو تموضعها موضع لا يليق بالطرح، هي تأتِ من ضمن حبكة الحكاية، وتتجذر كي تنبت رؤية الكاتب بعد ذلك تزهر بفن يليق بالقارئ.
* تطرقتِ للمرأة العاملة المهاجرة، والاغتراب، وعالجتِ فكر المرأة في المهجر التي كانت مدللة في أسرتها ثم تتفاجأ بغربة قاسية ولم يكن أمامها إلا أن تغسل الصحون في حانة. فكان لها بمثابة تحول فكري إرثي صادم.. إذن أنتِ تحافظين على المرأة كما يحافظ عليها الرجل؟
- ما أسعى إليه هو أن يكون للمرأة مكانة جيدة، سواء في مجتمعها أو في المهجر، فتنوير المرأة هي من أولوياتي التي أطالب بها، ربما هي رؤية مختلفة بعض الشيء وليست سلطوية كما هي عند الرجل، وهذا لا يعني ذلك أن أغفل دورها الهام في أسرتها، فالأسرة هي الأساس، فاستقرار الأسرة له دور كبير في تنوير المرأة وبالتالي المجتمع، لذا حرصت أن أرفع من قدرها داخل مجتمعها ولا أن تكون ذليلة خارجه.
* أغنية النار، صهيل النهر، بوابات الرحيل، حصار الأمكنة، أشباح المدن، أطياف الحزن، رائحة الخريف، صحوة قلب.. مضاف ومضاف إليه.. ما السر هنا؟ وهل العنوان - وهو بوابة أعمالك يشاركك فيه أحد؟
- دعني أقول لك شيئاً، أعمالي هي من أفكاري وكل شخص له أفكاره يفضل أن يحافظ عليها ويكون له بصمته الخاصة، في بعض أعمالي الكتابية يخرج العنوان متأخراً، وفي بعضها يكون من البداية، كصهيل النهر، يمثل هذا العنوان جموح النيل وعنفوانه، لهذا نهر النيل له دور مؤثر جداً في حياتنا كسودانيين، فهو كالحصان العربي الأصيل إذا صهل. فالعناوين التي أوردها هي خلاصة ما هو مكتوب وتخرج بهذه الصفة لا شعورياً.
* بمن تأثرت الأديبة والمثقفة بثينة خضر مكي؟
- قراءاتي كثيرة، أقرأ لكتاب محليين، وكتاب عرب، وكتاب عالميين، حتى أنني أقرأ للجيل الجديد لمعرفة اهتماماته، لكن تشدني كثيراً كتابات الروائي الكبير نجيب محفوظ.
*آخر انتاجك الفني، رواية «حصار الأمكنة» صدرت عام 2019م و «صحوة قلب» مجموعة قصصية صدرت أيضاً عام 2019 م ماذا عن جديد بثينة مكي؟
- بين يدي مشروع رواية لا أستطيع أن أبوح بشيء عنه حتى تتبلور الفكرة كلياً، فالرواية مسار سردي رحب يفتح آفاقاً جديدة للوعي، ربما يرى النور قريباً، ربما في عام 2022م ، كذلك أكتب بعض القصص القصيرة بين فترة وأخرى، بعدئذ سأدمجها في كتاب.
*بعد هذه الرحلة الطويلة في الكتابة والتنوير، هل على المرء وخاصة المثقف أن يكون لديه رسالة ورؤية واضحة تخدم مساره؟
- ممكن ذلك، غير أنها ليست رسالة مباشرة؛ لأن للأدب معان عميقة ومتعددة يخرج منها قارئ ما ببعد معين، ويخرج منها قارئ آخر ببعد مختلف، هو تشخيص.. شخصيات وحركة وزمان ومكان ولغة متغيرة، ومتعة يحصل عليها القارئ تجعله يهيم حباً في الحياة.
* قبل أن ننهي اللقاء، لقد أسستِ مركزاً ثقافياً، فهل لك أن تطلعينا على هذه التجربة؟
- أسست مركز بثينة خضر مكي الثقافي للإبداع والتنوير والفنون، في عام 2008م ، وأخذ الصفة الرسمية عام 2013 م بعد أن أصدرنا التراخيص اللازمة، ووضعنا رسالته وأهدافه، والهدف الرئيسي للمركز هو تغطية الثقافة السودانية تغطية شاملة وربط جيل الشباب المبدعين بالأجيال السابقة. يحتوي على منتديات؛ منتدى السرد، ومنتدى الشعر، والمنتدى الفكري، ومنتدى الفنون. ومنذ عام 2015 م بدأ المركز بشكل مكثف.
* شكراً لكِ.
- العفو، شكراً لأهل المملكة على حفاوة اللقاء وكرم الضيافة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق