سعد أحمد ضيف الله
الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو (1922-2010) الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1998م، نجح أن يصور لنا في روايته «انقطاعات الموت» حدثًا فانتازيًا يكشف فيه عالم الواقع كما لم نره من قبل. وقد جعلنا فعلاً نتساءل؛ أو ربما هو سأل نفسه قبل الآخرين، الأسئلة الثلاثة المهمة التشكيكية قبل الكتابة. لماذا، وماذا، وكيف.
لماذا يخاف الناس الموت؟
وماذا لو اختفى الموت وعاش الناس إلى الأبد؟
ثم كيف سيعيش الناس دون موت؟
أراد ساراماغو أن يوحي إلينا أن الخلود على الأرض ليس هو المطلوب، والحياة دون موت، إنما هي حياة شديدة الصعوبة.
فكانت الإجابة على الأسئلة الثلاثة من فحوى الرواية؛
يخاف الناس الموت لأن ما بعد الموت مجهول بالنسبة إليهم.
ولو عاش الناس إلى الأبد سيكون هناك كارثة، حيث سيتكدس المرضى في المستشفيات، ودور المسنين، ودفع مبالغ طويلة الأجل للمتقاعدين، وكذلك المؤسسات الدينية ستواجه خطرًا لأن فكرة البعث لن يكون لها وجود دون موت. والأديان لا مسوغ لها وهي التي تعد بحياة أخرى بعد الممات.
وسيعيش الناس حياة لا معنى لها، والحكومات لن توفي بواجباتها تجاه مواطنيها.
لا تقدم رواية «انقطاعات الموت» قصة متنامية تنسخ حولها العلاقات، وتدور في فلكها الشخصيات، فهي تبدأ في دولة غير مسماة، وفي زمن غير مسمى، وشخصيات دون أسماء (غير شخصية موت)، هذه الدولة أضرب فيها الموت عن عمله ليتحقق حلم البشرية بالخلود، فتسعى الرواية لكشف ردود الفعل، ومشاعرهم تحت ضغط تلك الأزمة، غير أن الناس ضاعوا وعاشوا في مأساة بدلًا من الفرح والسعادة، وكانوا يظنون أنهم بعد هذا الخلود المادي سينعمون بحياة رغيدة، إلا أن المعاناة كانت تلاحقهم من جراء تراكم الناس بعضهم فوق بعض، حتى تمنوا عودة الموت سريعًا مقابل الخلود.
وبعد سبعة أشهر يقرر الموت أن يعود في ساعة محددة، غير أنه يقرر أيضًا أن كل من كان عليه أن يموت فإنه سيموت في وقت معين، فمات في لحظة واحدة أكثر من اثنين وستين ألفًا، وعاشت الدولة في استنفار.
ثم بعد ذلك اختار الموت طريقة جديدة بأن يبعث رسالة إلى الذين كتب عليهم الموت قبل موتهم بسبعة أيام، حتى يستعدوا له. ومن خلال هذه الطريقة الجديدة للموت، يجعلنا «ساراماغو» نتساءل؛ هل سيكون من الملائم لو علمنا بخبر الموت قبل أن نموت؟!.
بهذا يكون خير الناس، إما موت طبيعي، أو انقطاع الموت، أو موت جماعي في وقت واحد، أو موت بمعرفة مسبقة.
صحيح أن الرواية تذكر الجانب السيئ للخلود، إلا أن هذا الخلود الذي تصوره الرواية ليس هو ذلك الخلود المنشود الذي كانت تحلم به الإنسانية، فخلود «ساراماغو» يعني أن يبقى هيكل الإنسان حيًا يصارع الحياة ومعرضًا لويلات الزمن، يمرض، ويهرم، ويتعرض للضغوط والخدوش والمعاناة، مع ذلك لا يموت. فالخلود بهذه الصورة هو خلود كالجحيم، ليصل الأمر بالعجز الجسدي، كأنه حي وميت في ذات الوقت.
رغم أن ساراماغو جعلنا نفكر بالموت جديًا، وجعل الموت رحيمًا، والخلود سجنًا، إلا أنه في المقابل جعل الحياة لا معنى لها، لا حب، لا مشاعر، ولا مستقبل دون موت.
أما الخلود المطلوب فهو صحة دائمة، وشباب مستمر.
سعد أحمد
كاتب وروائي وقاص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق