سعد أحمد ضيف الله
الوعي يعني سمع، أي وعت أذنه صوتاً، وهو الفهم، أي المحصول الفكري الذي ينضوي عليه العقل. والواعي هو حاضر البديهة، ولديه تواصل مباشر. أما إذا كان السؤال، كيف يكون الإنسان واعياً؟ فتكون الإجابة؛ بأن يعرف ماذا يريد، ويعرف ما الذي يدور حوله، وأن يصل لأهدافه من خلال الذي عرفه.يوضح ديفيد هاوكينز David R. Hawkins (1927-2012) - مؤلف كتاب Power vs. Force وترجمته «القوة مقابل الإكراه» يوجد منه ترجمات متعددة - يوضح أن لكل كائن في هذا الوجود مستوى معيناً من الوعي، ويتباين هذا الوعي بين هذه الكائنات. فالنباتات لديها وعي بمقدار معين؛ فلو وضعت بذرة برتقال لن تخرج لنا شجرة تفاح. والحيوانات لها درجة وعي أخرى؛ لو سقت حيواناً إلى حفرة سيستدير من حولها ليتحاشى السقوط. كذلك الحشرات لها تحاور فيما بينهم بما يخدم مسارها.
في هذا الكتاب، القارئ يحتاج إلى جهد مضاعف وذهن يقظ لمسك أطراف الخيوط وشدها لاستيعاب ما تم تدوينه فيه، إن ما تميز به هو أنه شبه دقيق في تحديد معايير مستوى وعي الكائنات، وتتجه براعته إلى إحداث قناعة واقعية عند تفسير الإيحاءات المترتبة على السلوك الظاهر والمنبعث من هذا الكائن أو ذاك.
أقبل رجل إلى فيلسوف وقال له: انصحني. قال الفيلسوف: أنصحك أن تقرأ كتاب كذا وكذا. وجاءه رجل آخر وقال: وأنا بماذا تنصحني؟ نظر إليه الفيلسوف وقال: أنصحك ألا تعمل شيئاً على الإطلاق، فبمجرد عملك «لا شيء» تكون قد قمت بشيء عظيم، إن عملت شيئاً فسوف تؤذي نفسك أولاً ثم تؤذي الآخرين ثانياً، إن أفضل من وجودك هو عدم وجودك.
ما يهمنا في هذا الكتاب هو معرفة معايير مستوى وعي الإنسان، فقد أشار هاوكينز في كتابه إلى أن البشر تتفاوت نسبة الوعي لديهم إلى مستويات متعددة، ووضع مقياس – مقياس هاوكينز للوعي - لمعرفة مقدار مستوى وعي كل إنسان، وهي عوامل تختفي خلف سلوك البشر.
لو طرحنا سؤالاً مفاده: ما هي درجة التسامح عند شخص «واعٍ» وشخص «غير واعٍ»؟ دون مندوحة سيكون ثمة تفاوت في الإجابة، إنما قد تكون الدرجة العظمى في التسامح لصالح الشخص «الواعي»80% درجة التسامح عند الشخص الواعي، بينما 13% عند الشخص غير الواعي. هذا يوضح أن التسامح ميزة يتحلى بها الأشخاص ذوي مستوى عالٍ من الوعي.
كذلك عندما نطرح تساؤلاً من قبيل: ما هي درجة الرغبة (الشهوة) عند شخصين، واعي وغير واعي؟ سيتضح أن «غير الواعي» لديه انحياز للرغبة 90% فيما أن «الواعي» 5%.إذاً عندما نعود للسؤال الذي يقول: كيف يكون الإنسان واعياً؟ سنعرف أن الإجابة ستكون: أن يعرف ماذا يريد، بمعنى أن يكون لديه «هدف ورسالة» كما أن لكل كائن في هذا الكون هدفاً ورسالة، أما إن لم يكن لدى هذا الكائن هدف ورسالة دون شك سيكون «ملطشة».
مقياس هاوكينز للوعي (الشكل 1) حدد درجات من (صفر إلى 1000) لمعرفة مقياس وعي الإنسان، كلما ارتفع الرقم معنى ذلك أن مستوى الوعي إيجابي، والجدير قوله إن درجة الـ (200 من 1000) في المقياس هي درجة فاصلة ما بين فوق وتحت، بين السلبيين والإيجابيين، فلو كانت درجة شخص ما 200 وأقل، معنى هذا أنه إنسان مفرط في السلبية، هنا يتطلب أن تكون حذراً من هكذا شخصية وتتوقع أن يصدر منه أي إجراء سلبي (سرقة، حسد، شخبطة على الجدران، تكسير، ضرب، قتل..)
هنا مسألة خطيرة يشير إليها هاوكينز؛ إن 80% من البشر مستوى وعيهم أقل من (200 من 1000) على مقياس هاوكينز! وهم يعتبرون من درجة «العوام المدمرين». من تجاوز هذه الدرجة فهو إيجابي ومن كان دونها فهو سلبي. وتتراوح النسب المتبقية نحو الذين هم «معمرين» سواء إيجابيين عاديين ونسبتهم 18%، أو قادة وموجهين ونسبتهم 1.5%، وما تبقى فهم حكماء وأنبياء. وعندما يتم تطبيق هذه القاعدة (على سبيل المثال وليس على المقياس) على وزارة أو على كتيبة عسكرية؛ سيكون الأكثرية منهم 80% هم جنود، و19% ضباط عسكريين، والقيادة العليا تحتوي على 1% عدد قليل أو قائد واحد.
ربما تُقدّر درجة الوعي عند «مثقف» مرموق (400 من 1000) على مقياس هاوكينز، وهي درجة تعتبر مرتفعة وإيجابية جداً. بينما يُقدّر درجة قياس وعي أفكار الكتاب الذي ألفه بـ (600 من 1000) على المقياس، لأنه كُتب بنموذجية عالية.
شخص درجة مستوى وعيه تعادل (100 من 1000) على مقياس هاوكنز، معنى هذا أن لديه مخاوف فهو على (مستوى درجة الخوف)، والإحساس الظاهر لديه يتصف بشعور (القلق)، ونظرته للحياة (مناهضة)، والنظرة للإله (عقابي)، والعمل في الحياة (انسحاب).
بينما شخص آخر على مقياس هوكينز درجة مستوى وعيه تعادل (500 من 1000) يدل على أنه إنسان محب فهو على مستوى المحبة (حب)، والإحساس لديه شعور بـ (الوقار)، ونظرته للحياة (حميدة)، ونظرته للإله نظرة (محبة)، العمل في الحياة (رؤيا). فيما أولئك الذين يتجاوزون السبعمائة لا يمكن أن توصف حالتهم، ونرجو أن تكونوا منهم فهم في وعي خالص.
هذا باختصار ما يحتويه فكر الفيلسوف الأمريكي ديفيد هاوكينز في هذا الكتاب، الذي ألفه في منتصف التسعينيات وأعيد طبعه وتنقيحه مرارا، ولا شك أنه جهد يستحق البحث فيه.
سعد أحمد
* كاتب وقاص