الاثنين، 15 أكتوبر 2012

الرؤية والتخطيط

 لكل إنسان أحلامه وتصوراته الذهنية، فهي عالمه الذي يعيش فيه، بل إنها تحدد مسار حياته. وهذه الأحلام تختلف من شخص لآخر. لو تأملت في الجوانب المختلفة في حياتك، تجد أنك حققت نجاحاً في بعض الجوانب.


وإخفاقاً في جوانب أخرى، وهي التي لا تعرف فيها ما تريد تحقيقه. أو أنك تعرف ما تريد تحقيقه لكنك لا تعرف كيف تحققه. 
لتحقيق النجاح في بلوغ الأحلام بشكل عام، هناك حاجة لتحديد الحلم، والحلم علمياً يأتي بمفهوم الرؤية، والرؤية يُستخلص منها الفكرة التي تصورتها في ذهنك وهي خام جرداء لم يبنَ عليها قط. ثم التخطيط والاستكشاف ورسم المعالم لكيفية تحقيق تلك الفكرة. بعد ذلك يأتي العمل وهو السير على الطريق نحو الفكرة التي هي في الأساس كانت رؤية. 
سأل شخص: أين الطريق؟. وأجيب بسؤال: إلى أين تريد؟. فقال: لا أدري. فقيل: إذاً اسلك أي طريق. وهذا حال الذي لا يعرف ما هي رؤيته المستقبلية، ولم يخطط لمستقبله في نواحي الحياة، وإلا فإن الهدف النهائي بصفتنا مسلمين هو عبادة الله سبحانه وتعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذاريات: 56). 
ومما لا يحتاج إلى برهان، ربما قرأ أو سمع أحدكم عن الاجتماع الذي دار بفناء الكعبة، بين مصعب بن الزبير، وعروة بن الزبير، وعبدالملك بن مروان، وعبدالله بن عمر.
حين قال لهم مصعب: تمنوا (احلموا). فقالوا: ابدأ أنت. قال: أتمنى ولاية العراق، وأتزوج سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة بن عبيدالله، فنال ذلك، وأصدق كل واحدة 500 ألف درهم وجهزها بمثلها. وتمنى عروة بن الزبير الفقه، وأن يحمل عنه الحديث، فنال ذلك. وتمنى عبدالملك بن مروان الخلافة، فنالها. وتمنى عبدالله بن عمر الجنة. ومن العجيب أنهم يجدون ما تمنوا وزيادة. 
الرؤية هي صورة تخيلية ذهنية، أو حلم نصبو إليه مستقبلاً. لا تتأتى إلا بالإمعان فيها واجتذابها والحوم حولها.
يقول الإعلامي تركي الدخيل في حوار مع الكاتب عبدالله المغلوث ضمن سلسلة حوارات جمعها الأخير في كتاب باسم الصندوق الأسود. «لا زلت أذكر أني كنت مهتماً كثيراً بالإذاعة المدرسية، وعندما يحل يوم إعدادي لها فإني كنت أقلب البيت ليلتها، ولا زلت أذكر أني كنت أخرج للمدرسة قبل أن يبزغ الصباح استعداداً لدقائق خمس كنت أقوم فيها مرتجلاً التقديم أمام المدرسة التي كان عدد طلابها كبيراً مقارنة ببقية المدارس». 
ويضيف «كنت أهرب من الثانوية، ولكن ليس إلى حيث يقضي أقراني وطرهم، أو يستنفدون متعتهم، بل إلى مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، حيث كنت أقرأ فيها كُتباً بعيدة عن المنهج الذي يلزمني به أحد. من أمتع اللحظات التي كنت أعيشها لحظاتي هارباً من دراستي إلى اختياراتي من القراءة». 
ثم يتساءل بعدها هل هذه فلسفة أم سفسطة أم شيء آخر؟، بل في الاعتقاد أنها الرؤية التي هي في أساسها الفكرة، تنمو رويداً رويداً حتى تنضج، وقد ألزم نفسه الدخيل بتحقيقها.
ووصل إلى أرقى منابر الإعلام العربي عبر برنامجه الحواري (إضاءات). فمثل هذه الشخصيات، درجات السلم لديهم طويلة لكن مساحتها قصيرة في نفس الوقت. 
ولو تأملنا في سيرة الدكتور طارق السويدان، وهو من المخططين البارعين، وتعلم على يده كثير من المتدربين. كانت دراسته في الهندسة، وهندسة البترول تحديداً، واَصَل تعليمه إلى أن حصل على شهادة الدكتوراه في هندسة البترول.
لكنه عدل عن ذلك متأخراً. فألزمه تغيير مسار خطته، ثم وضع مجموعة من الافتراضات حول الوضع في المستقبل، فوضع خطة تبين الأهداف المطلوب الوصول إليها خلال فترة محددة، والإمكانات الواجب توافرها لتحقيق هذه الأهداف وكيفية استخدام هذه الإمكانات بالكفاءة والفعالية المطلوبة. 
ودون الخوض في مزيد من التفاصيل فإن التخطيط بمعناه الواسع هو (تحديد الأعمال، واتخاذ القرارات وتدبير الإجراءات والطرق والتوقيت الزمني من أجل عمل الرؤية).
وعندما يقال إن التخطيط بعد الرؤية هو ضرورة للتنبؤ بظروف المستقبل، نقول هذا صحيح وعلى ذلك فإن تأثير الخطط الحاضرة على الظروف المستقبلية يجب أن تكون مقدرة أو محسوبة. كالأخذ بالحسبان الظروف الصعبة المحيطة التي قد يصطدم بها. لهذا فإن التخطيط يعني التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل مع الاستعداد لهذا المستقبل استعداداً تاماً.
سمعنا كثيراً عن أشخاص كونوا ثروة ضخمة وفقدوها كلها، وفي غضون فترى وجيزة كسبوا ثروة ضخمة من جديد. ماذا حدث مع هؤلاء الأشخاص؟. سواء علموا بذلك أم لا. هو أن أفكارهم المهيمنة تركزت حول الثروة، وعملوا حول هذه الفكرة، وهكذا كسبوا في المرة الأولى، وعندما فقدوا كل شيء اختفى داخلهم الخوف من فقدان الثروة، وبذلك هيمنت أفكار الثروة على عقولهم وعملوا مرة أخرى، وعادت إليهم. 
ولم يتصدر صاحب شركة مايكروسوفت بيل غيتس قائمة الأغنياء بسبب قدرات عقلية خارقة، بل لأنه كان يبدأ يومه الساعة الرابعة فجراً، ويأكل البيتزا الباردة، ويعمل أكثر من 16 ساعة يومياً، وأحياناً كثيرة يبقى طوال الليل في مكتبه. حتى نجح هذا المثابر وعمره 14 عاماً من تأسيس شركته (مجموعة مبرمجي ليك شايد للكمبيوتر). وبعد خمس سنوات ينجح مرة أخرى ويؤسس عام 1974م شركته العملاقة (مايكروسوفت) وعمره 19 عاماً. 
ليست الفكرة والإعداد الجيد ورسم الخطط هو ما يحرز النجاح.. لا ما يحرزه هي مجموعة متكاملة والعمل أحد عناصرها الرئيسية. 
وفي مجمل القول إنه إذا قمنا بتحليل مسار ظاهرة شخصية ناجحة، عندها سنجد أن (الرؤية، والتخطيط، والعمل) كانت أساساً لنجاحها. وهذه العناصر الثلاثة هي القاعدة الأساسية لكل عمل من الأعمال التي نستند عليها. مع ذلك ليس ملزوماً علينا تحقيق كل الرؤى، لكن هناك رؤى رئيسية في الحياة يجب أن نطبق عليها هذه القاعدة إذا رغبنا في تحقيق النجاح. وأساس النجاح هي الرؤية، سواء كانت سهلة المنال أو صعبة، ومن ثم تأتي تبعاتها.

سعد أحمد ضيف الله 
يجب مراعاة تاريخ نشر المقالة في المجلة

سعد أحمد ضيف الله الوعي يعني سمع، أي وعت أذنه صوتاً، وهو الفهم، أي المحصول الفكري الذي ينضوي عليه العقل. والواعي هو حاضر البديهة، ولديه تواص...