بنت جبيل، الساكنة في الأشرفية، مراي، لم يعجبها ريمون، ولا زياد، ولا حتى شارل. لكنها تهيم عشقاً في وليد السعودي، المتزوج.
للوهلة الأولى وأنا أقرأ رواية أنثى مفخخة للكاتبة أميرة المضحي - عن دار الانتشار العربي - تذكرت الهذيان العشقي لناصر في رواية سقف الكفاية للروائي محمد حسن علوان - دار الساقي - وأعجبني وصف الناقد محمد العباس للرواية الثانية حين قال أنها "تمثال لغوي لإمرأة عادية". واصفاً البطل ناصر في تبجيله لحبيبته مها السلبية عاطفياً التي تجيد مداراتها بين الرجال بسهولة، ولم تكن على استعداد لأدنى درجات الوفاء، بقدر ما مارست بطولة الفرار مع زوجها.
يظهر جلياً من القراءة الأولى للنص أن أمامنا حالة حب متذبذبة تتخذ أسلوباً سردياً من طرف واحد، وهي عبارة عن هذيان داخلي للساردة البطلة، ووجد من خلال شفرات بثتها الكاتبة بأسلوب إيحائي، بدايةً من العنوان مروراً بالسطور الأولى، وتلتها شفرات دعمتها بشكل قوي، أبرزت فيها ملامح الرواية منذ النظرات السريعة الأولى.
"مراي" شبيهة بـ "ناصر" بعض الشيء، في التعبير عن كل اعتقاداتها العاطفية دفعة واحدة، وصنعت من وليد قصة حب خرافية ومستحيلة. حبها له بدأ يعذبها وخصوصاً أنه لم يصارحها بالحب، فقد كانت تفسر أفعاله وأقواله وفق ما تشاء. وبدأ الحب يشع في عينيها كالنور الذي يراه الجميع، وظهرت علاماته واضحة وجلية على "مراي"، وزادتها جمالاً ورقة وأنوثة وعناية بنفسها. كان "وليد" بالنسبة إليها الحبيب الأول والرجل الموعود، لكنها كانت تخشى أن يكون أنانياً يعرف بأنها تحبه، ثم يريد أن تكون صديقة يستمتع برفقتها ليس إلا، مع ذلك شعرت بأن مشاعرها يجب أن تكون بين جدران قلبها وتتحمل وحدها مسؤوليتها.
وبشيء من التحايل على النفس اكتفت بالصداقة الحميمية التي ربطت بينهما في ميامي حيث سافرت تكمل تعليمها، وكان هو يعمل في أمريكا منذ سنتين، متزوج، لكن زوجته خذلته عندما رفضت السفر معه وبقيت مع والديها. كان صديق عائلة شقيقها إلياس، حيث رأته أول مرة، جالساً على الكنبة يشاهد التلفزيون ويلاعب ابنتي أخيها ماغي ومايا. سلمت عليه والتقت عيناها عينيه فشعرت بشحنة كهربائية تسري داخل جسمها. "نظراته ذبحتني من الوريد للوريد وسقطت أمامي سحر ابتسامته، ظللت أحدق به طوال الأمسية وأستمع إلى أحاديثه. فرطت دقات قلبي عن إيقاعها المعتاد، وقلبي يخبرني بأني وجدت من أحلم به فارساً يأتي على حصانه الأبيض ويأخذني معه، سخرت عينيّ إلى النظر إليه وتساءلت من يكون؟".
ووفق استحضار الخوف من العاقبة رفض أخوها هذه العلاقة، فقد حذرها مراراً من التمادي بالاهتمام به والخروج معه، رغم احترامه ومحبته الكبيرة له، وكذلك انتقاد صديقتها لها، لكنها لم تهتم بكل هذه الأمور فهي مؤمنة بأن الحب لا يهاب العواقب. كانت تدرب قلب "وليد" بالتدريج، ولم تكن تنتظر منه شيئاً كما تنتظر اعترافه، تريد أن تكون الحبيبة ولن تكتفي بأن تكون صديقه فقط. كان قريباً منها يساعدها في دروسها، وعندما طلبت منه مساعدتها في الحصول على وظيفة مسائية في مكتب هندسي بجانبه لم يتأخر.
عملهما المسائي قرب بينهما أكثر، وأمسيا يقضيان معاً وقتاً أطول، يعملان ويتنزهان، وكثيراً ما كان يدعوها إلى العشاء بعد خروجهما من المكتب. في هذه الحالة سرّت "مراي" لأنها أقرب الناس إليه، لأنه بالمجمل كان لا يخرج بصحبة أحد، فالعمل يأخذ جل وقته. حتى أحاديثه عن عائلته وأخيه وأصدقائه في السعودية قليلة، لكن اتصالاته مع أمه المسيحية اللبنانية وعائلتها مستمرة. وأخبرها الكثير عن حياته في لبنان والقليل عن حياته في السعودية. وتعد الأعوام التي عاشها مع أمه هي الأحب إلى قلبه، وذاكرته تعج بالصور واللحظات الحلوة لتلك الأيام. أما السنوات العجاف فهي التي عاشها مع والده فيعدها الأسواء. "قال لي مرة بأنه مدين لأمه بحياته، فهي صنعته ووالده حاول هدمه".
"رافقني وليد في الحفلة، تارة يضمني وتارة يقول بأنه يحبني، وأخرى يهوي عليّ بالقبلات ويصرخ أمام كل الناس بأنه جاء من أجلي". موضع آخر "استلقيت على سريري وبين يدي سيجارة أخذت منها أنفاساً ببطء بعد أن أستعصى النوم عليّ ..".
وبقصد أو بدون قصد كان الضمير لدى المضحي ينتقد المفهوم للثقافة والعادات والتقاليد والحياة الاجتماعية الذكورية في السعودية، ويمتدح الحياة الأنثوية في لبنان، حيث أنها تنتمي لأكثر بلد عربي حر ومنفتح، بينما وليد ينتمي إلى أكثرها انغلاقاً وتحفظاً. ويحترق ضميرها في محاولة كسر الجمود الأنثوي من خلال أوصاف تمثيلية تحد من تعدد المعاني.
حول هذا تسير الرواية ويظل هناك تشويق إلى ماذا سينتهي بهما الأمر، وتساؤلات في ذهن المتلقي يحتاج معها إلى إجابات مقنعة، وكذلك صراعات اجتماعية دينية أوردتها المضحي، بين "مراي" وعائلتها و "وليد" وذويه.
وبعدم الدخول في تفاصيل أكثر فالمضحي المتحررة والمتزحزحة بهذه الشخصية تعاطفت مع مكان ونبذت آخر، وامتعضت من أشخاص وتآلفت مع أخرى، وجلدت المجتمع بسوط الحب الذي في النهاية أنتصر متغلباً على الايدولوجيا حين حاولت المضحي تمريره عبر هذه الرواية. لكن يبقى الزمن يحمل فخاخ لا تدع لهذا الحب أن يستمر حتى النهاية.
سعد أحمد ضيف الله