حتى آخر صفحة من صفحات رواية "غريق يتسلى في أرجوحة" للروائي يوسف المحيميد، كان متوقع أن يكون هناك مفاجأة ما يعرضها لنا المحيميد في هذه الرواية، حيث يقدم رواية تدور حكايتها حول قصة غرام بين فيصل العاشق للسينما والمخرج لأفلام سينمائية قصيرة الساكن في مدينة الرياض..
وبين ناهد الفتاة الجداوية المطلقة التي يشغلها وقت الفراغ فتقضي وقتها بين المقاهي والأسواق، تمر بالفتاة أيام مع صديقتها أسماء، فتتفق معها ذات يوم على حضور مهرجان الأفلام القصيرة في مركز جدة للعلوم والتكنلوجيا، في ذات المهرجان يبرز فيصل قدراته فيعرض فيلمه من ضمن الأفلام المعروضة، يعقبه لقاء بالصحفيين، في بهو المركز ينشأ حوار مستظرف بين فيصل والفتاتين، قبل أن يلتفت ويودعهما يُسلم الفتاتين بطاقتين لعنوانه، تأخذ ناهد البطاقة ثم ترميها خوفاً من أن يعثر عليها أخوها مازن معها، بينما تحتفظ صديقتها أسماء بالبطاقة لتتواصل مع فيصل. بعد المحادثة والتراسل فيما بينهما، أخذ فيصل يلمح لأسماء أنه يميل لصديقتها ناهد، فتتعامل أسماء مع هذه العلاقة تعامل آخر، بصفة الوسيط وهمزة الوصل، ترسل الرسائل التي يرسلها فيصل إلى صديقتها ناهد تعلمها بإعجابه بها، وتستنبط مشاعرها تجاهه، وتكرر ذلك أيضاً مع فيصل، فيستمر تواصلهما تواصلاً متذبذباً، وبعد مزيد من التحفيز من فيصل أخذ ينمو الاشتياق رويداً رويداً حتى خلّف علاقة حب سماعية، اخبارية، بين فيصل وناهد.
كان من المتوقع أن تصنف هذه الرواية بالرواية العاطفية أو الرومانسية، إلا أن غاية الغرام في مفهوم مجتمعنا يفتقد العلاقة الطبيعية الإنسانية، يعتبرها نزوة عابرة للسبيل، تنتهي على ناصية أطرف رصيف في الحياة، ويبدأ مجدداً في البحث عن علاقات أخرى، هذا ما يثبته المحيميد في هذه الرواية، ففيصل حين كان يظهر الحب لناهد، لم يستمر في ري فسيلة هذا الحب حتى يدوم، فمجرد أن يجد فرصة مواتية لبناء علاقة أخرى لا يتوان في الانفلات مما سبق والدخول في تكوين آخر مختلف، لذا حين وجد في زينب صديقة ناهد فرصة للتقارب لم يشكك في نواياه للانصراف نحو هذه العلاقة ويترك ناهد على الجانب مثل ما كان قد ترك أسماء من قبل...
في هذه الرواية الفوق قصيرة قليلاً – 174 صفحة – يستعين الكاتب بأساليب متعددة في الكتابة، كأسلوب الضمير المتكلم الرجل (فيصل)، والضمير المتكلم للمرأة (ناهد)، والروائي الخارجي، ثم يمزج بينهم، بعدئذ يتناوب وهو يسرد الأحداث، فيسترجع ثم يتقدم. هذا المنهج يحيل القارئ للاطلاع على الرؤى من أكثر من جانب، لكنه يرهق الكاتب، ولا بأس بأن يكرر الحكاية على المتلقي لكن بعض القراء غير المحترفين يشعرهم ذلك ببعض الملل، ربما لعدم ادراكهم بأن الفكرة المتلقاة يختلف التعبير عنها من شخص إلى آخر. هذا التشويق رغم براعته إلا أنه لا يمنع أن يولد بعض الأخطاء البسيطة، كما حصل عندما كان يحكى فيصل قصة ذهابه إلى مركز جدة للعلوم والتكنلوجيا ليعرض فيلمه في المهرجان، حينها كان يذكر أن المهرجان يعقد في اغسطس، بينما ناهد وهي تحكي قصتها قالت أنه كان في شهر يوليو.
هذا الأسلوب المحترف تجده في الروايات الملحمية أكثر، وهو أسلوب مبدع ولا شك أنه من الصعوبة أن يجيده كاتب غير متمرس، حتى وإن كان يتوقع القارئ أن السرد سهل في بنائه القصصي في الرواية، إلا أنه في الحقيقة هذا ما يقال عنه السهل الممتنع. ولو استوقفتني عبارة السهولة فإني أرى أن السهولة في روايات نجيب محفوظ حاضرة لكنها طويلة جداً، لتجد أن من يقرأ يستسهل الكتابة بمثلها لكنها في الواقع سلسلة طويلة من السهولة ونفسها ليس له حد.
أظن أن المحيميد كان يشتغل على الأسلوب أكثر من الفكرة الأساسية ذاتها، التي ينظر إليها على أنها فكرة مطروحة ومستهلكة وسبق طرقها من قبل، كالخيانات الزوجية في القصص المتكررة وفي الأفلام والمسلسلات، والاستهتار بالحب من قبل الطرفين خصوصاً من قبل الشاب تجاه الفتاة. ربما لو أنه عالجها بطريقة لملم فيها شمل العشيقين وانتهى بالارتباط لأختلف الأمر ولكان أمراً معاكساً للدارج في هذا الزمن وما سبق أن تم طرحه، حيث الغرام في مجتمعنا ليس له نتيجة مُرضية دائماً، يبقى في مرحلة من مراحل المراهقة التي يمر بها الشاب، ولا يخرج بنتيجة لصالح الاثنين، بل يرفض الشاب الزواج بعشيقته لأنها خرجت عن المألوف الذي يراه كما يراه المجتمع، ويبقى المطلوب البحث عن فتاة عن طريق الأسرة، وفي منظوره – الشاب - أن زوجة المستقبل التي لا يعرف عنها شيئاً، تمتاز بحياة فطرية ناصعة البياض ولم يسبق أن غرمت بغيره، ولا يعلم، أي منهما، أن هناك حب دفين في قلب أي منهما، فلو استمر مع من كان يغرم بها لكان حقاً غراما، وهذا لا يتأتى في مجتمعنا. لأن.. المعهود والسائد الذي يراه المجتمع أن لا يتزوج الشاب من فتاة يعدها جريئة وخارجة عن العفاف ولو سمحت لهما الظروف بتجاذب الروحين تجاذباً سامياً، وبهذا تصبح المرأة هي المظلومة دائماً.
المختلف، الذي يشد أكثر من أي شيء آخر في هذه الرواية هو توافر أحداث ومعلومات مكانية وسينمائية كبيرة لدى الكاتب، الذي يجعل من بنية الرواية متماسكة ويستريح لها الكاتب أولاً ثم القارئ في فكرة سردها، وقد وفرت – الخبرة - على الراوي تعب التخيل وصناعة حكاية من نسيج الخيال، فلا يحتاج معها إلا إلى أن يتصرف تصرفاً شكلياً في المحتوى وفي جانب بناء الشخصية ثم يشبك الروابط فيما بينها ليس إلا.
على هذا الأساس يمكن تصنيف الرواية على انها واحدة من الروايات الشبابية، يتسلى بها الشباب ما دون الثلاثين، كما يحكم عليها الراوي من عنوان الرواية، ويعتني برصد حالهم المهمل ويتخذ أبعاداً مشفرة قد يساء فهمها من قبل بعض القراء لكنها كانت صورة لواقع معاش بحاجة للرقي به، مع ذلك كان هناك حاجة ماسة لإيضاح ما يود قوله المحيميد في هذه الرواية. في النهاية أقول لو كانت الفكرة مختلفة وجديدة ولو بنتائج شبه صادمة لمجتمع معتاد على نمطية قديمة، زائداً هذا التناول في الأسلوب البديع لخرجنا بتجريب ابداعي خلاق وشيق، ذلك ما نبحث عنه دائماً...
سعد أحمد ضيف الله
كاتب سعودي