تستشرف الساحة المحلية الثقافية وربما العربية حراكاً ثقافياً متميزاً خصوصاً مع بداية هذا القرن الذي انصرم منه اثنتي عشرة سنة حتى الآن. حركة تنضوي تحت حب المعرفة والاستطلاع العلمي والثقافي، وفي الواقع أن ما ساعدها على ذلك هو العناية والاهتمام بوسائل التواصل الثقافي والاجتماعي.
لا سيما المنتديات التي كان لها دور أكبر في هذا المجال. لكن جمهور هذا الحراك المعرفي والثقافي ينقسم في واقعه إلى فئتين. فئة ترغب في الحصول على المعلومة السريعة والخفيفة وغير المعقدة. والفئة الأخرى لديها الرغبة في الحصول على معلومات وأحداث مكثفة وإن كان في أمر واحد. وهذا الأمر من الناحية السردية يتمثل لدينا في القصة القصيرة والرواية. وكما هو معلوم فإن القصة القصيرة هي جنس أدبي عبارة عن سرد حكائي نثري قصير، يهدف إلى تقديم حدث وحيد ضمن مدة زمنية قصيرة ومكان محدود ليعبر عن موقف أو جانب من جوانب الحياة.
ومن الضرورة الملحة أن يكون سرد الحدث في القصة القصيرة كتلة واحدة، أي متحداً ومنسجماً دون تشتيت. وغالباً ما تكون شخصياتها وحيدة أو عدة شخصيات متقاربة يجمعها مكان واحد وزمان واحد على خلفية الحدث والوضع المرد الحديث عنه. إلى جانب ذلك فإن الدراما في القصة تكون قوية، إضافة أنها تمتلك حساً كبيراً من السخرية وربما دفقات مشاعرية قوية لكي تمتلك التأثير وتعوض عن حبكة الأحداث التي في الرواية.
أما الرواية فهي أيضاً من الأجناس الأدبية وفن من فنون النثر الأدبي قائم على الحكاية، لكنه ينتظم في سلسلة من الأحداث الحقيقية أو المتخيلة، تقوم بها شخصيات أو قوى معينة, وتستغرق قطاعاً عريضاً من الزمن، وتجتمع فيها عناصر تختلف أهميتها بحسب نوع الرواية, ويربط ذلك كله حبكة ترتفع بها إلى التأزم الذي يصل مداه قبل النهاية, فيأتي الحل ايجابياً أو سلبياً, أو تكون النهاية مفتوحة لا تقدم حلا بل تدفع القارئ إلى المشاركة في الصراع والبحث عن حل للتأزم والعقدة.
وإن لم نرد الانزلاق وراء توخي الدقة وكثير من التأويلات، فإن القصة هنا تأخذ دور المعرفة الناضجة لكن برؤية سريعة، في حين أن الرواية تأخذ دور الثقافة بالمجمل، وهذا الترتيب الذي يميز الأخيرة بالدور الثقافي هو بسبب المقومات الفنية والكتابية وكيفية سرد الحوادث التفصيلية الرئيسية والجانبية، وبطبيعة الحال هذا ليس قصوراً في القصة القصيرة التي بدورها هي كمية من الاختزال ليس بمقدور كل من كان التمكن منه، لكن الحديث هنا في مدى دسامة المعلومات التي سيتحصل عليها المتلقي من كلا الجنسين عند القراءة.
سعد أحمد ضيف الله